سورة النحل - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النحل)


        


قوله تعالى: {أفأمن الذين مكروا السيئات} قال المفسرون: أراد مشركي مكة. ومكرهم السيئات: شركهم وتكذيبهم، وسمي ذلك مكراً، لأن المكر في اللغة: السعي بالفساد، وهذا استفهام إِنكار، ومعناه: ينبغي أن لا يأمَنوا العقوبة، وكان مجاهد يقول: عنى بهذا الكلام نمرود بن كنعان.
قوله تعالى: {أو يأخذَهم في تقلُّبهم} فيه أربعة أقوال:
أحدها: في أسفارهم، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال قتادة.
والثاني: في منامهم، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: في ليلهم ونهارهم، قاله الضحاك، وابن جريج، ومقاتل.
والرابع: أنه جميع ما يتقلَّبون فيه، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أو يأخذَهم على تخوّف} فيه قولان:
أحدهما: على تنقُّص، قاله ابن عباس، ومجاهد، والضحاك. قال ابن قتيبة: التُّخَوُّف: التقُّص، ومثله التخوُّن. يقال: تخوفته الدهور وتخونته: إِذا نقصته وأخذت من ماله وجسمه. وقال الهيثم بن عدي: التخوُّف: التنقُّص، بلغة أزد شنوءة.
ثم في هذا التنقُّص ثلاثة أقوال. أحدها: أنه تنقّصٌ من أعمالهم، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثاني: أخذُ واحد بعد واحد، روي عن ابن عباس أيضاً. والثالث: تنقُّصُ أموالهم وثمارهم حتى يهلكهم، قاله الزجاج.
والثاني: أنه التخوف نفسه، ثم فيه قولان: أحدهما: يأخذهم على خوف أن يعاقب أو يتجاوز، قاله قتادة. والثاني: أنه يأخذ قرية لتخاف القرية الأخرى، قاله الضحاك. وقال الزجاج: يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية فتخاف التي تليها، فعلى هذا، خوَّفهم قبل هلاكهم، فلم يتوبوا، فاستحقوا العذاب.
قوله تعالى: {فإن ربكم لرؤوف رحيم} إِذ لم يعجِّل بالعقوبة، وأمهل للتوبة.


قوله تعالى: {أَوَلَمْ يروا} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: {أولم يروا} بالياء، وقرأ حمزة، والكسائي: {تروا} بالتاء، واختلف عن عاصم.
قوله تعالى: {إِلى ما خلق الله من شيء} أراد من شيء له ظل، من جبل، أو شجر، أو جسم قائم {يتفيَّأُ} قرأ الجماعة بالياء، وقرأ أبو عمرو، ويعقوب بالتاء {ظلالُه} وهو جمع ظل، وإِنما جمع وهو مضاف إِلى واحد، لأنه واحدٌ يُراد به الكثرة، كقوله تعالى: {لتستووا على ظهوره} [الزخرف: 13] قال ابن قتيبة: ومعنى يتفيَّأُ ظلاله: يدور ويرجع من جانب، إِلى جانب، والفيء: الرجوع، ومنه قيل للظل بالعشيِّ: فيئ، لأنه فاء عن المغرب إِلى المشرق. قال المفسرون: إِذا طلعتْ الشمس وأنت متوجه إِلى القبلة، كان الظل قُدَّامك، فإذا ارتفعتْ كان عن يمينك، فإذا كان بعد ذلك كان خلفك، وإِذا دنتْ للغروب كان على يسارك، وإِنما وحّد اليمين، والمراد به: الجمع، إيجازاً في اللفظ، كقوله تعالى: {ويولُّون الدُّبُر} [القمر: 45]، ودلّت الشمائل على أن المراد به الجميع، وقال الفراء: إِنما وحد اليمين، وجمع الشمائل، ولم يقل: الشمال، لأن كل ذلك جائز في اللغة، وأنشد:
الوَارِدُوْنَ وَتَيْم في ذَرَىَ سَبَأٍ *** قد عضّ أعناقَهُم جِلْدُ الجوامِيْسِ
ولم يقل: جلود، ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُم تَعِيْشُوا *** فإنَّ زَمَانَكُم زَمَنٌ خَمِيْصُ
وإِنما جاز التوحيد، لأن أكثر الكلام يواجَه به الواحد.
وقال غيره: اليمين راجعة إِلى لفظٍ ما، وهو واحد، والشمائل راجعة إِلى المعنى.
قوله تعالى: {سُجَّداً لله} قال ابن قتيبة: مستسلمة، منقادة، وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى: {وظلالهم بالغدو والآصال} [الرعد: 15].
وفي قوله تعالى: {وهم داخرون} قولان:
أحدهما: والكفار صاغرون.
والثاني: وهذه الأشياء داخرة مجبولة على الطاعة. قال الأخفش: إِنما ذكر مَن ليس من الإِنس، لأنه لما وصفهم بالطاعة أشبهوا الإِنس في الفعل.
قوله تعالى: {ولله يسجد مافي السموات...} الآية. الساجدون على ضربين:
أحدهما: مَن يعقل، فسجوده عبادة.
والثاني: مَن لا يعقل، فسجوده بيان أثر الصَّنعة فيه، والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق، هذا قول جماعة من العلماء، واحتجوا في ذلك بقول الشاعر:
بِجَيْشٍ تضِلُّ البُلْق في حَجَراتِهِ *** تَرىَ الأُكْمَ فيه سُجَّداً لِلْحَوافِرِ
قال ابن قتيبة: حَجَرَاتُهُ، أي: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد قلعت الأُكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت. فأما الشمس والقمر والنجوم، فألحقها جماعة بمن يعقل، فقال أبو العالية: سجودها حقيقة، ما منها غارب إِلاَّ خَرَّ ساجداً بين يدي الله عز وجل، ثم لا ينصرف حتى يُؤذَن له، ويشهد لقول أبي العالية، حديث أبي ذر قال: «كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد حين وجبت الشمس، فقال: يا أبا ذر! تدري أين ذهبت الشمس قلت الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد بين يدي ربّها عز وجل، فتستأذن في الرجوع، فيؤذَن لها فكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جِئتِ، فترجع إِلى مطلعها فذلك مستقرها، ثم قرأ: {والشَّمْسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لها} [يس: 38]» أخرجه البخاري ومسلم. وأمّا النبات والشجر، فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء.
أحدها: أن يكون سجوداً لا نعلمه، وهذا إِذا قلنا: إِن الله يُودِعه فهماً. والثاني: أنه تفيُّؤ ظلاله. والثالث: بيان الصنعة فيه. والرابع: الانقياد لما سُخِّر له.
قوله تعالى: {والملائكة} إِنما أخرج الملائكة من الدوابّ، لخروجهم بالأجنحة عن صفة الدبيب.
وفي قوله: {وهم لا يستكبرون. يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون} قولان:
أحدهما: أنه من صفة الملائكة خاصة، قاله ابن السائب، ومقاتل.
والثاني: أنه عامّ في جميع المذكورات، قاله أبو سليمان الدمشقي.
وفي قوله: {من فوقهم} قولان ذكرهما ابن الأنباري.
أحدهما: أنه ثناءٌ على الله تعالى، وتعظيم لشأنه، وتلخيصه: يخافون ربهم عالياً رفيعاً عظيماً.
والثاني: أنه حال، وتلخيصه: يخافون ربهم معظِّمين له عالِمين بعظيم سلطانه.


قوله تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إِلهين اثنين} سبب نزولها: أن رجلاً من المسلمين دعا الله في صلاته، ودعا الرحمن، فقال رجل من المشركين: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون رباً واحداً، فما بال هذا يدعو ربين اثنين؟ فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل. قال الزجاج: ذِكْر الاثنين توكيد، كما قال تعالى: {إِنما هو إِله واحد}.
قوله تعالى: {وله الدِّين واصِباً} في المراد بالدِّين أربعة أقوال:
أحدها: أنه الإِخلاص، قاله مجاهد. والثاني: العبادة، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: شهادة أن لا إِله إِلاّ الله، وإِقامة الحدود، والفرائض، قاله عكرمة.
والرابع: الطاعة، قاله ابن قتيبة.
وفي معنى {واصباً} أربعة أقوال:
أحدها: دائماً، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعكرمة، ومجاهد، والضحاك، وقتادة، وابن زيد، والثوري، واللغويون. قال أبو الأسود الدؤلي:
لا أَبْتَغِي الحمدَ القَليلَ بَقَاؤُه *** يوماً بِذَمِّ الدَّهْرِ أجْمَعَ وَاصِبَا
قال ابن قتيبة: معنى الكلام: أنه ليس من أحدٍ يُدَان له ويُطاع إِلاّ انقطع ذلك عنه بزوالٍ أو هَلَكةٍ، غيرَ الله عز وجل، فإن الطاعة تدوم له.
والثاني: واجباً، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: خالصاً، قاله الربيع بن أنس.
والرابع: وله الدين موصباً، أي: متعباً، لأن الحق ثقيل، وهو كما تقول العرب: همٌّ ناصب، أي: مُنْصِبٌ، قال النابغة:
كِلِينِي لِهَمٍّ يا أُمَيْمَةُ ناصِبِ *** وليلٍ أقاسيه بطيئ الكواكبِ
ذكره ابن الأنباري. قال الزجاج: ويجوز أن يكون المعنى: له الدين، والطاعة، رضي العبد بما يُؤمَر به وسهل عليه، أو لم يسهل، فله الدين وإِن كان فيه الوصب، والوصب، شدة التعب.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9